فصل: تفسير الآية رقم (186):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت}.
مبتدأ وخبر، وسوَّغَ الابتداء بالنكرة العموم والإضافة.
والجمهور على {ذَائِقَةٌ المَوْتَ} بالتنوين والنَّصْب في {الْمَوْتِ} على الأصل.
وقرأ الأعمشُ بعدم التنوين ونَصْب {لْمَوْت} وذلك على حَذْف التنوين؛ لالتقاء الساكنين وإرادته وهو كقول الشاعرِ: [المتقارب]
فأَلْقَيْتُهُ غَيْرَ مُسْتَعْتَبٍ ** وَلاَ ذَاكِرَ اللهَ إلاَّ قَلِيلا

- بنصب الجلالة- وقراءة مَنْ قرأ {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله} [الإخلاص: 1، 2]- بحذف التنوين من {أحَدٌ} لالتقاء الساكنين.
ونقل أبو البقاء- فيها- قراءةً غريبةً، وتخريجًا غريبًا، قال: وتقرأ شاذًا- أيضا- {ذَائِقُهُ الْمَوْتُ} على جعل الهاء ضمير كل على اللفظ، وهو مبتدأ وخبرٌ، وإذا صحت هذه قراءةٌ فتكون كل مبتدأ، و{ذَائِقُهُ} خبر مقدَّم، و{الْمَوْتُ} مبتدأ مؤخرٌ، والجملة خبر {كُلّ} وأضيف ذائق إلى ضمير كل باعتبار لفظها، ويكون هذا من باب القلب في الكلام؛ لأن النفس هي التي تذوق الموت وليس الموت يذوقها، وهنا جعل الموت هو الذي يذوق النفس، قَلْبًا للكلامِ؛ لفهم المعنى، كقولهم: عَرَضْتُ الناقة على الحوض، ومنه قوله: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ على النار} [الأحقاف: 34] وقولك: أدخلت القلنسوة في رأسي.
وقول الشَّاعرِ: [البسيط]
مِثْلُ القَنَافِذِ هَدَّاجُونَ قَدْ بَلَغَتْ ** نَجْرَانَ، أوْ بَلَغَتْ سَوْآتِهِمْ هَجَرُ

الأصل: عرضت الحوض على الناقة، ويوم تُعْرَض النار على الذين كفروا، وأدخلت رأسي في القلنسوة، وبلغت سوآتهم هَجَرَ، فقلبت. وسيأتي خلافُ النّاسِ في القلب في موضعه إن شاء الله تعالى.
وكان أبو البقاء قد قَدَّم قبل هذا التأنيث في ذائقة إنما هو باعتبار معنى كلٍّ قال: لأن كل نفس نفوس، فلو ذكر على لفظ كل جاز، يعني أنه لو قيل: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ} جاز، وقد تَقَدَّمَ أول البقرة أنه يجب اعتبار لفظ ما يُضافُ إليه إذا كان نكرة ولا يجوز أن يعتبر كل وتحقيق هذه المسألةِ هناك.
قوله: {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ} ما كافة لِإن عن العمل، قال مكيٌّ: ولا يحسبن أن تكون ما بمعنى الذي، لأنه يلزم رفع {أجورُكم} ولم يقرأ به أحَدٌ، ولأنه يصير التقدير: وأن الذي توفَّوْنَهُ أجوركم، كقولك: إنّ الذي أكرمته عمرو، وأيضا فإنك تفرق بين الصلة والموصول بخبر الابتداء.
يعني لو كانت ما موصولة لكانت اسم إن فيلزم- حينئذٍ- رفع {أجوركم} على أنه خبرها، كقوله تعالى: {إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ} [طه: 69] ف ما- هنا- يجوز أن تكون بمعنى الذي، أو مصدرية، تقديره: إنَّ الذي صنعوه، أو إن صُنْعَهم، ولذلك رفع {كِيْدُ}، خبرها. وقوله: وأيضا فإنك تفرق...، يعني أن {يَوْمَ الْقِيَامَة} متعلق بـ {تُوَفَّوْنَ} فهو من تمام الصلة- التي هي الفعل ومعموله- ولا يُخْبَر عن موصول إلا بعد تمام صلته، وهذا وإن كان من الواضحات، إلا أن فيه تنبيهًا على أصول العلم.
قوله: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار} أدغم أبو عمرو الحاء في العين، قالوا: لطول الكلمة، وتكرير الحاء، دون قوله: {ذُبِحَ عَلَى النصب} [المائدة: 3] وقوله: {المسيح عِيسَى} [آل عمران: 45] ونُقِل عنه الإدغامُ مطلقًا، وعدمه مطلقًا والنحويون يمنعون ذلك، ولا يُجيزونه إلا بعد أن يقلبوا العين حاء ويُدْغِموا الحاء فيها، قالوا: لأن الأقوى لا يُدْغَم في الأضْعَف، وهذا عكس الإدغامِ، أن تقلب فيه الأول للثاني إلا في مسألتين: إحداهما: هذه، والثانية: الحاء في الهاء، نحو: امدح حلالًا- بقلب الهاء حاء أيضا- ولذلك طعن بعضهم على قراءةِ أبي عمرو، ولا يُلْتَفَت إليه.. ومعنى الكلام، {فَمَن زُحْزِحَ} أي: نُحِّي وأزيل عن النار وأدخل الجنة فقد فاز.
قوله: {وَما الحياة الدنيا إِلاَّ مَتَاعُ الغرور} المتاع: ما يتَمَتَّع به، وينتفع به الناسُ- كالقِدْرِ والقصعة- ثم يزول ولا يبقى قاله أكثرُ المفسّرين.
وقال الحَسَن: هو كخضرة النبات، ولعب البنات، ولا حاصل له.
وقال قتادة: هي متاع متروك: يوشك أن يضمحِلَّ، فينبغي للإنسان أن يأخذ من هذا المتاع بطاعة الله تعالى ما استطاع.
وقوله: {الْغُرور} يجوز أن يكون مصدرًا من قولك: غَرَرْتَ فلانًا غُرُورًا، شبه بالمتاع الذي يُدَلس به على المستام، ويغر عليه حتى يشتريه، ثم يظهر فَسَادُهُ لَهُ، ومنه الحديث: «نهى عن بيع الغرر» ويجوز أن يكون جَمْعًا.
وقرأ عبد الله لفتح الغين وفسرها بالشيطان أن يكون فَعُولًا بمعنى مفعول، أي: متاع الغُرُور، أي: المخدوع: وأصل الغَرَر: الخدع.
قال سعيدُ بن جُبَيْرٍ: هذا في حق من آثر الدنيا على الآخرة، وأما مَنْ طلب الآخرة بها فإنها متاع بلاغ. اهـ. بتصرف.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)}
أخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله: {حتى يأتينا بقربان تأكله النار} قال: يتصدق الرجل منا فإذا تقبل منه أنزلت عليه نار من السماء فأكلته.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: كان من قبلنا من الأمم يقرب أحدهم القربان، فتخرج الناس فينظرون أيتقبل منهم أم لا، فإن تقبل منهم جاءت نار بيضاء من السماء فأكلت ما قرب، وإن لم يتقبل لم تأت النار فعرف الناس أن لم يقبل منهم، فلما بعث الله محمدًا سأله أهل الكتاب أن يأتيهم بقربان {قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم} القربان {فلمَ قتلتموهم} يعيرهم بكفرهم قبل اليوم.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {الذين قالوا إن الله عهد...} الآية. قال هم اليهود قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم: إن أتيتنا بقربان تأكله النار صدقناك وإلا فلست بنبي.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن الشعبي قال: إن الرجل يشترك في دم الرجل، وقد قتل قبل أن يولد. ثم قرأ الشعبي {قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم} فجعلهم هم الذين قتلوهم ولقد قتلوا قبل أن يولدوا بسبعمائة عام. ولكن قالوا قتلوا بحق وسنة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {الذين قالوا إن الله عهد إلينا....} الآية. قال: كذبوا على الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن العلاء بن بدر قال: كانت رسل تجيء بالبينات، ورسل علامة نبوتهم أن يضع أحدهم لحم البقر على يده فتجيء نار من السماء فتأكله. فأنزل الله: {قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {فإن كذبوك} قال: اليهود.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فقد كذبت رسل من قبلك} قال: يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي عن أصحابه في قوله: {بالبينات} قال: الحرام والحلال {والزبر} قال: كتب الأنبياء {والكتاب المنير} قال: هو القرآن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {والزبر والكتاب المنير} قال: يضاعف الشيء وهو واحد.
قوله تعالى: {كل نفس ذائقة الموت} الآية.
أخرج ابن أبي حاتم عن علي بن علي بن أبي طالب قال: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية. جاءهم آت يسمعون حسه ولا يرون شخصه فقال: السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته {كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة} إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفًا من كل هالك، ودركًا من كل ما فات فبالله فثقوا، وإياه فأرجوا، فإن المصاب من حرم الثواب.
فقال علي: هذا الخضر.
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد والترمذي والحاكم وصححاه وابن حبان وابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، واقرأوا إن شئتم {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}».
وأخرج ابن مردويه عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها. ثم تلا هذه الآية: {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز}».
وأخرج عبد بن حميد عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا بما عليها، ولقاب قوس أحدهم في الجنة خير من الدنيا بما عليها».
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع قال: إن آخر من يدخل الجنة يعطى من النور بقدر ما دام يحبو فهو في النور حتى تجاوز الصراط. فذلك قوله: {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز}.
وأخرج أحمد عن ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يزحزح عن النار وأن يدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه».
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله: {فقد فاز} قال سعد: ونجا. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول عبد الله بن رواحة:
وعسى أن أفوز ثمت ألقى ** حجة اتقى بها الفتانا

وأخرج ابن جرير عن عبد الرحمن بن سابط في قوله: {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} قال: كزاد الراعي يزوده الكف من التمر، أو الشيء من الدقيق يشرب عليه اللبن.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} قال: هي متاع متروك أوشكت والله أن تضمحل عن أهلها، فخذوا من هذا المتاع طاعة الله إن استطعتم. ولا قوَّة إلا بالله. اهـ.

.فوائد بلاغية:

قال أبو حيان:
وتضمنت هذه الآيات التجنيس المغاير في قوله: {الذين قالوا}: والمماثل في: قالوا، و{سنكتب ما قالوا}، وفي: {كذبوك فقد كذب}.
والطباق في: فقير وأغنياء، وفي: الموت والحياة، وفي: زحزح عن النار وأدخل الجنة.
والالتفات في: سنكتب ونقول، وفي: أجوركم، إذ تقدمه كل نفس.
والتكرار في: لفظ الجلالة، وفي البينات.
والاستعارة في: سنكتب على قول من لم يجعل الكتابة حقيقة، وفي: قدّمت أيديكم، وفي: تأكله النار، وفي: ذوقوا وذائقة.
والمذهب الكلامي في فلم قتلتموهم.
والاختصاص في: أيديكم.
والإشارة في: ذلك، والشرط المتجوز فيه.
والزيادة للتوكيد في: وبالزبر وبالكتاب في قراءة من قرأ كذلك.
والحذف في مواضع. اهـ.

.تفسير الآية رقم (186):

قوله تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما سلى الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن تكذيبهم لما بما لقي إخوانه من الرسل وبأنه لابد من الانقلاب إليه، فيفوز من كان من أهل حزبه، ويشقى من والى أعداءه وذوي حزبه؛ أعاد التسلية على وجه يشمل المؤمنين، وساقها مساق الأخبار بحلول المصائب الكبار التي هي من شعائر الأخيار في دار الأكدار المعلية لهم في دار القرار فقال- مؤكدًا لأن الواقف في الخدمة ينكر أن يصيبه معبوده بسوء، هذا طبع البشر وإن تطبّع بخلافه، وأفاد ذكره قبل وقوعه تهوينه بتوطين النفس عليه، وأفاد بناؤه للمفعول أن المنكى البلاء لا كونه من جهة معينة-: {لتبلون} أي تعاملون معاملة المختبر لتبيين المؤمن من المنافق {في أموالكم} أي بأنواع الإنفاق {وأنفسكم} أي بالإصابة في الجهاد وغيره، فكما نالكم ما نالكم من الأذى بإذني ليلحقنكم بعده من الأذى ما أمضيت به سنتي في خلص عبادي وذوي محبتي، وكان إيلاء ذلك للآية التي فيها الإشارة إلى أن توفية الأجور للأعمال الصالحة مما ينيل الفوز مناسبًا من حيث الترغيب في كل ما يكون سببًا لذلك من الصبر على ما يبتلي به سبحانه وتعالى من كل ما يأمر به من التكاليف، أو يأذن فيه من المصائب، وقدم المال لأنه- كما قيل- عديل الروح، وربما هان على الإنسان الموت دون الفقر المؤدي إلى الذل بالشماتة والعار بما تقصر عنه يده بفقده من أفعال المكارم، وما أحسن ذكر هذه الآية إثر قصة أحد التي وقع فيها القتل بسبب الإقبال على المال، وكان ذكرها تعليلًا لبغضة أهل الكتاب وغيرهم من الكفار.
ولما كان يومها يوم بلاء وتمحيص، وكان ربما أطمع في العافية بعده، فتوطنت النفس على ذلك فاشتد انزعاجها بما يأتي من أمثاله، وليس ذلك من أخلاق المشمرين أراد سبحانه وتعالى توطين النفوس على ما طبعت عليه الدار من الأثقال والآصار، فأخبر أن البلاء لم ينقص به، بل لابد بعده من بلايا وسماع أذى من سائر الكفار، ورغب في شعار المتقين: الصبر الذي قدمه في أول السورة ثم قبل قصة أحد، وبناها عليه معلمًا أنه مما يستحق أن يعزم عليه ولا يتردد فيه فقال: {ولتسمعن} أي بعد هذا اليوم {من الذين} ولما كان المراد تسوية العالم بالجاهل في الذم نزه المعلم عن الذكر فبنى للمفعول قوله: {أوتوا الكتاب} ولما كان إيتاؤهم له لم يستغرق الزمن الماضي أدخل الجار فقال: {من قبلكم} أي من اليهود والنصارى {ومن الذين أشركوا} أي من الأميين {أذى كثيرًا} أي من الطعن في الدين وغيره بسبب هذه الوقعة أو غيرها {وإن تصبروا} أي تتخلقوا بالصبر على ذلك وغيره {وتتقوا} أي وتجعلوا بينكم وبين ما يسخط الله سبحانه وتعالى وقاية بأن تغضوا عن كثير من أجوبتهم اعتمادًا على ردهم بالسيوف وإنزال الحتوف {فإن ذلك} أي الأمر العالي الرتبة {من عزم الأمور} أي الأشياء التي هي أهل لأن يعزم على فعلها، ولا يتردد فيه، ولا يعوق عنه عائق، فقد ختمت قصة أحد بمثل ما سبقت دليلًا عليه من قوله: {قد بدت البغضاء من أفواههم} [آل عمران: 118] إلى أن ختم بقوله: {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا} [آل عمران: 120] ما أخبر به هنا بأنه من عزم الأمور. اهـ.